الوساطة الدولية تعد أحد أهم أدوات التسوية الدبلوماسية السلمية للنزاعات الدولية، وأسبغت الممارسات الدولية فضلا عن المواثيق الدولية على الوساطة الأسس والأركان والمتطلبات القانونية التي لا يجوز تجاهلها أو الحيف بها عند ممارسة الوسيط الدولي جهوده التوسطية المحمودة، ولا يجوز أيضا للدول أطراف النزاع الدولي أن تنتهك الأعراف والقواعد الدولية الناظِمة لهذه الوسيلة المُهمة من وسائل التسوية النزاعات الدولية
حتي نُدقق ما ران حول ماهية الوساطة في المسيرة العشرية للدول المتنازعة أثيوبيا والسودان ومصر حول سد النهضة الإثيوبي، مِن المهم بمكان الإشارة لأهم الخصائص المُؤَسِسة لألية الوساطة، فالأخيرة مقارنة بالقضاء الدولي، لا تعد وسيلة إلزامية لتسوية النزاع الدولي بين أطرافه من الدول، ويُمكن تفسير ذلك تأسيسا علي خصائص وأسس ومتطلبات الوساطة ذاتها، فالوسيط الدولي لا يطمح إلي تحقيق مصلحة ذاتية من وراء مبادرته بتقديم مقترحه بالوساطة إلا المساعدة في تسوية النزاع ، وليس ثمة مُوجَب دولي علي الدول أطراف النزاع بقبول وساطة الوسيط الدولي سوي رغبة الدول في تسوية النزاع ومنع تَفاقمه، ولا ُتمثل الوساطة في ذات الوقت تدخل من طرف ثالث في النزاع، حيث يقتصر دور الوسيط الدولي سواء كان دولة أو منظمه دولية أو وساطة مختلطة من دول ومنظمات دولية مثل الرباعية الدولية التي رفضتها إثيوبيا مؤخرا ،على تقديم مقترح تَوقيفي إلي الأطراف المتنازعة، وهنا يبذل الوسيط الدولي جهوده الحثيثة لجعل ذلك المقترح مقبولا من الأطراف المعنية.
جَليٌ أن مُقترح الوسيط الدولي على اطراف النزاع الدولي لا يَصير حلاً للنزاع إلا بموافق كافة الدول المتنازعة على ذلك المقترح، وتَذخر النزاعات الدولية بالأمثلة الكثيرة التي رُفضت فيها العروض التلقائية التي قامت بها الدول للوساطة بين الدول المتنازعة، فقد رفضت تركيا الوساطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية لتسوية النزاع التركي الإسرائيلي علي خلفية حادثة "السفينة مرمرة " في عام 2010، كما رفضت أثيوبيا وسم الجهود التوفيقية التي قامت بها الولايات المتحدة عامي 2019 و2020 لتسوية النزاع حول سد النهضة بأنها وساطة دولية، ورفضت أثيوبيا مؤخراً الوساطة الرباعية التي اقترحتها السودان وأيدتها مصر لتسوية النزاع المتفاقم حول سد النهضة.
لقد اعتبرت اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و1907 الخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وضبطت قواعد ممارستها، أن الوساطة هي مجرد مشورة غير الزامية سواء عُرضت تلقائياً من جانب الوسيط الدولي أم بناء على طلب الدول المتنازعة، كما أكدت الاتفاقيتان على أن الوساطة لا تعتبر بحد ذاتها عملا غير وديا، كما أشارت إلي أن الدول يحق لها أن تعرض وساطتها مرة ثانية رغم رفضها أول مرة، وقد تَضمنت المادة الثانية من اتفاقية عام 1907 دعوة الدول المتعاقدة إلي أن تلجأ، وبقدر ما تسمح به الظروف إلي وساطة دولة أو دول صديقة قبل أن تلجأ للحرب كوسيلة لتسوية النزاع آنذاك، أما المادة التاسعة من ذات الاتفاقية فقد أقرّت أنه من المفيد أن تقوم إحدى الدول الأجنبية عن النزاع من تلقاء نفسها بعرض خدماتها الودية ووساطتها بقدر ما تسمح به الظروف دون أن يعتبر مثل هذا العرض بأي حال عملا غير ودي من قبل أي من الدول المتنازعة، ومع ذلك، فقد تكون للدولة الوسيطة بواعثها الخاصة التي تتوخاها من النزاع وأطرافه، ومصلحة خاصة ترجوها من هذه الأطراف ومن تسوية النزاع، ولذلك فإنه كثيراً ما تسعي هذه الدولة إلي بسط وساطتها علي الأطراف المتنازعة بإلحاح أو تمارس وساطتها لأجل أن يَقبل بها الأطراف المتنازعة.
خِتاماً، إذا كان القانون الدولي ينظم الأُسس والأركان والأحكام المتعلقة بالوساطة الدولية، فان ذات القانون يُنَظِم ويُؤَطِر في ذات الوقت المبادئ والقواعد المتعلقة بحسن النية في تنفيذ المعاهدات الدولية، وقُدسية المعاهدات الدولية، وحُسن الجوار، والمساوة في السيادة بين الدول، وعدم التعسف في استعمال الحق، والانتفاع المنصف المشترك بالمجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة.
تعليق