آثار صحية وبيئية مدمرة تطفئ بريق الذهب في السودان
ترقد "ص.ح" البالغة من العمر 52 عاما والمتحدرة من قرية تبعد نحو 80 كيلومترا عن أحد مربعات استخراج الذهب في شمال السودان بإحدى مستشفيات العاصمة المتخصصة في علاج الأورام، بعد تشخيصها بالمرض قبل نحو 5 اعوام.
لكن مرض "ص" لم يكن مفاجئا بالنسبة لأقاربها، فقد ظلت معدلات الإصابة بمرض السرطان تتزايد بشكل لافت في أوساط سكان القرى والمدن القريبة من مناطق التعدين والتي تستخدم فيها بشكل كثيف وعشوائي- أحيانا- مواد شديدة الخطورة مثل الزئبق والسيانيد.
تقدر تقارير الإنتاج الفعلي من الذهب في السودان بأكثر من 100 طن سنويا؛ إلا أن أكثر من 60 في المئة منه يتم تداوله خارج القنوات التسويقية والمصرفية الرسمية، مما يفقد الاقتصاد مليارات الدولارات سنويا، لكن الأضرار لا تتوقف عند هذا الحد، فالخطر الأكبر يتمثل في التبعات والتأثيرات البيئية الخطيرة التي تطال نحو 15 % من السكان البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة.
وسجلت العديد من حالات الإجهاض والأمراض العصبية وأمراض الكلى الجهاز التنفسي وحالات التسمم القاتلة في مناطق التعدين وذلك بسبب تسرب مخلفات ملوثة بالزئبق والسيانيد واختلاطها بمياه الشرب.
وفي هذا الإطار؛ يؤكد طارق ميرغني وهو مهندس عمل في عدد من مناطق التعدين أن الاستخدام المفرط للسيانيد والزئبق، إضافة إلى مواد تفجير الصخور أحدثت تغييرا كبيرا في جغرافية وطبيعة مناطق التعدين في شرق وشمال وغرب البلاد ودمرت الغطاء النباتي تمام
ويقول بالإضافة إلى الأضرار الصحية الخطيرة التي تسببها للإنسان المتواجد في تلك المناطق؛ تزداد خطورة الآثار المدمرة للبيئية؛ مشيرا إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في انعدام الرقابة وزيادة معدلات التهريب ودخول كميات كبيرة من المواد دون المرور بالقنوات الرقابية أو الرسمية.ويوضح ميرغني أن مناطق تعدين الذهب تشهد تغيرات بيئية متسارعة، مما يشكل خطورة كبيرة على حياة الناس والموارد الطبيعية المتوافرة في تلك المناطق.
وتعمل نحو 350 شركة محلية وأجنبية، إلا أن العديد منها لا يلتزم بالمعايير الصحية والبيئية حيث تلجأ لأساليب وممارسات غير أخلاقية وبعيدة عن المعايير والأسس الصحية والبيئية المتفق عليها دوليا؛ خصوصا فيما يتعلق باستخدام الزئبق والسيانيد.
ويؤكد فضل على ضرورة وضع الإنسان أولا عند التعامل مع مسألة معقدة ومتشابكة العمليات مثل مسالة التعدين على الذهب، فهي وعلى الرغم من فوائدها الاقتصادية الكبيرة وتوفيرها لمصدر دخل جيد للكثير من الناس، إلا أن الكوارث الصحية والبيئية التي تتسبب فيها تكون أكبر حجما وأثرا من فوائدها الاقتصادية.
وتقول عثمان إن انبعاثات تلك المواد تتسبب في تلويث الهواء بشكل سريع وخطير، مما يزيد من احتمالات انتشاره على نطاق واسع؛ ويؤدي بالتالي إلى زيادة الآثار والتبعات الصحية.وعلى الرغم من أن معظم المصابين يعيشون في مناطق غنية جدا بالذهب إلا أن المفارقة تكمن في أن نحو 90 في المئة منهم بعيشون فقرا شديدا وتفتقد مناطقهم إلى أبسط مقومات الحياة، وهو ما يجعل من أمر نقلهم لمتابعة العلاج في المراكز المتخصصة القليلة المتمركزة في العاصمة الخرطوم ومدينة واد مدني.
وفي حين ويؤكد الأمين أن هنالك تفاعل مجتمعي كبير مع مبادراتهم؛ إلا أن انقطاع الجرعات في بعض الاوقات والمشكلات التي تواجهها معظم المستشفيات المتخصصة جميعها عوامل تزيد من معاناة المرضى.
تعليق