عودة القتال في السودان بعد الهدنة.. هل هناك فرص متبقية أمام حكم مدني؟
ما إن أوشكت الأزمة السياسية في السودان على أن تدخل مرحلة انفراج في إطار ما يعرف بـ"الاتفاق الإطاري" الذي حظي بمباركة دولية، حتى اندلاع القتال بين الجيش من جهة، وقوات الدعم السريع، من جهة ثانية، وسط مخاوف من تضاؤل فرص الحكم المدني في البلاد، وربما الدخول في حرب أهلية جديدة.
وتخشى القوى السياسية والمدنية في السودان أن يؤدي الصراع الحامي بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى القضاء على فرص انتقال البلاد نحو حكم مدني طالما نادى به المحتجون في مظاهرات حاشدة بمختلف مناطق البلاد. ومنذ سقوط نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، في 11 أبريل 2019، عقب احتجاجات شعبية، يعيش السودان حراكا مستمرا يطالب بـ"حكم مدني"، بينما تكابد البلاد واحدة من أسوأ وأشد الأزمات الاقتصادية.
قال الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي، مرتضى الغالي:
ثمة غموض في المشهد، بحيث ينشر الطرفان بيانات متضاربة بشأن مواقع سيطرة كل منهما. وإيعاز المؤسسة العسكرية لوزير الخارجية بالتشديد على رفض أي تدخل خارجي، معناه إقفال الباب أمام المساعي والوساطات الهادفة إلى وقف إطلاق النار. ولن يكون ثمة تفاعل إيجابي مع أي وساطة دولية لأجل التسوية، إلا في حال شعر طرف من الطرفين بأنه في موقف يتيح الدخول إلى مضمار التفاوض بأوراق في اليد.
وأن الدعم السريع منتشر في كل السودان، وهو منفصل عن الجيش، تمويلا وتسليحا، كما أنه استطاع أن يبني علاقات إقليمية، وبالتالي، فقد راكم قوة لا يُستهان بها. كمت أن قوات الدعم السريع لديها خبرة كبيرة في حرب الشوارع، حتى أنها قد تتفوق على الجيش في هذا الجانب. وفي حالة الجيش، هناك تسلسل وقيادة ومراحل إزاء الخيارات العسكرية، وهذا الأمر يمنح مرونة أقل مقارنة بالقوات والميليشيات الأخرى الأقل تنظيما.
وقال الخبير والباحث السياسي، الرشيد محمد إبراهيم:
الحديث عن المصالحة والحوار أضحى متجاوزا منذ لحظة إطلاق النار الأولى، علما بأن هذه المواجهة لم تكن مستبعدة ولا هي بالغريبة. الصراع القائم حاليا هو صراع حول السلطة، لأنه الوضع لا يقبل "القسمة على اثنين"، أي أن كل طرف يسعى لأن يكون هو صاحب القرار، دون شريك له.
ومن الناحية العسكرية والميدانية، يبدو أن الجيش رتب أموره وأقدم على خطوات يرى أنها تقوده بشكل صحيح. ويرى الجيش أنه أحدث شللا وسط قوات الدعم السريع من خلال استهداف مقارها، وبالتالي، إفقادها السيطرة على القوات. كما ان الجيش مصمم على أن ينهي الأمور عسكريا، لأن تقييماته تشير إلى أن قوات الدعم السريع صارت خطرا وأقرب إلى المشروع السياسي.
وأضاف أن المعركة تجري داخل الخرطوم، والجيش حريص على أن يتحرك باحترافية عالية تفاديا للأضرار الجانبية ووقوع خسائر وسط المدنيين. وهناك حاجة إلى هدنة عاجلة، لأن هناك جثثا في شوارع الخرطوم لا تجد من يقوم بدفنها، بسبب استمرار المعارك.
القيادي في التجمع الاتحادي والمتحدث باسم قوى الحرية والتغيير في الخارج، عمار حمودة، قال:
الموقف السياسي بعد هذا الانزلاق الأخير يختلف عما قبله. المشكلة في السودان لها طابع سياسي، وهذا يعني أنها في حاجة إلى حل سياسي، وليس إلى "حسم عسكري"، وعند النظر في تاريخ البلاد وما فيه من حروب أهلية، يتأكد جليا أن الخطوات العسكرية لا تجدي نفعا. والتحركات العسكرية تقدم وعودا بحلول سريعة، لكن ذلك لا يتحقق، والمطلوب في السودان هو أن يكون ثمة توجه لاستعادة الحياة السياسية.
الكاتب والباحث السياسي، موسى شيخو:
ليس ثمة حل في السودان إلا بالرجوع إلى الحوار وإسكات البنادق. وقوات الدعم السريع لن تنتهي حتى في حال تمكن الجيش من حسم الصراع الحالي لصالحه. حتى وإن كان الحسم سريعا، كما قال الجيش، فإن الحاجة إلى الحوار والتفاوض تظل حتمية، وهذا ما يريده الاتحاد الإفريقي ويتحرك لأجله. وفي حال لم يكن الجلوس إلى طاولة التفاوض أمرا ممكنا في الوقت الحالي، فإن المطلوب على الأقل هو الدخول في هدنة. وفي حال لم يجر احتواء الأزمة الحالية، فإن ذلك قد ينذر بدخول السودان حربا أهلية جديدة.
تعليق