القطاع الزراعي السوداني يترنح تحت ضغط الحرب والتصحر
تواجه الزراعة السودانية انهياراً غير مسبوق مع دخول الحرب عامها الثالث، وسط تحذيرات من كارثة غذائية وشيكة تهدد ملايين السكان. في ظل النقص الحاد في البذور والأسمدة والوقود، يعجز آلاف المزارعين عن زراعة أراضيهم في الوقت المناسب، ما ينذر بموسم زراعي شبه معدوم، وفقاً لتقارير أممية ودراسات ميدانية.
في قرية تنقاسي بالولاية الشمالية، يقف المزارع حاتم أحمد عبدالحميد أمام نخيله الذابل في أرض متشققة جفت فيها قنوات الري منذ أكثر من شهرين. يقول عبدالحميد: “فقدت ما بين 70 و75 في المئة من محاصيلي هذا العام، والآن أحاول إنقاذ ما تبقى”. وتعتمد معظم المزارع في المنطقة على مضخات مياه كهربائية توقفت عن العمل بسبب انهيار شبكة الكهرباء جراء الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.
وتسببت الحرب في تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك محطات توليد الكهرباء، ما أدى إلى توقف ضخ مياه النيل إلى الأراضي الزراعية. ويؤكد عبدالحميد أن تكلفة تشغيل المضخات بالديزل ارتفعت إلى أكثر من 20 ضعفاً، حيث باتت عملية الري الواحدة تكلفه نحو 100 يورو، مقارنة بأربعة يوروهات قبل الحرب.
ويعاني المزارعون في الولاية الشمالية من خسائر متراكمة، إذ يقول عبدالحليم أحمد الزبير: “خسرنا ثلاثة مواسم زراعية حتى الآن، والمزارع التي كانت مليئة بالحبوب أصبحت شبه خالية”. ويضيف أن تكلفة الري ارتفعت من 10 آلاف إلى 150 ألف جنيه سوداني، ما يعادل نحو 211 يورو، في ظل غياب الدعم الحكومي وانعدام التمويل.
وبحسب دراسة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لأبحاث سياسة الغذاء، توقفت أنشطة نحو 35% من الأسر الريفية في الولاية الشمالية خلال عام 2024 بسبب النزاع، ما يعكس حجم التدهور في القطاع الزراعي.
ويقدّر الباحث عبدالفتاح حامد وفق فرانس برس علي من مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية خسائر القطاعين الزراعي والصناعي بأكثر من 170 مليار يورو خلال عامين من الحرب، مشيراً إلى أن النزوح الجماعي أدى إلى تحويل مناطق الرعي إلى أراضٍ زراعية غير مؤهلة، ما عمّق أزمة التصحر والخلل البيئي.
وكان السودان قد بدأ بالكاد يتعافى من آثار الجفاف الكبير عام 1985، قبل أن تعصف به الحرب مجدداً في 2023، لتقضي على ما تبقى من بوادر الاستقرار الزراعي، وفقاً لدراسة نشرتها مجلة “صدى” التابعة لبرنامج كارنيغي للشرق الأوسط.
ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن قطاع الزراعة، الذي يشكل مصدر الغذاء والدخل لنحو 80% من السكان، ينهار تحت وطأة العنف والتهجير والانهيار الاقتصادي. ومع استمرار الحرب، يعيش أكثر من نصف سكان السودان في حالة انعدام أمن غذائي حاد، وسط انتشار المجاعة وسوء التغذية في مناطق واسعة من البلاد، بحسب تقارير الأمم المتحدة
تعليق